حين سدد القلب لا القدم.. أتشيربي يسكن الكرة في سقف المجد


في عالم الكرة، حيث تُقاس البطولات بالألقاب، هناك بطولات لا تُحكى في الأرقام، بل تُروى بالدموع.

فرانشيسكو أتشيربي، المدافع الإيطالي الصلب، عاد من معركة لا تعترف بالقوانين: السرطان. لا مرة، بل مرتين، وفي كل مرة كان يعود، لا كما كان، بل أقوى.

سنوات من الصمت، من الألم، من أنابيب العلاج الكيماوي والمستشفيات الباردة.

لكنها لم تطفئ النار التي بداخله.. كرة القدم. حلمه الأول، وأمله الأخير.

عاد للحياة، كعدّاء يسابق الزمن، بعمر يتجاوزه فيه اللاعبون للجلوس في مقاعد التحليل، عاد ليركض من جديد.

عاد وكأن لسان حاله يقول: “لا ما انتهيت.. توي معك يا أجمل العمر ابتديت.”

وفي ليلة باردة، تحت غزارة أمطار ميلانو، وفي لحظة كادت تسدل الستار، قرر أن يكتب الفصل الأخير بنفسه.

كانت الدقيقة 92. برشلونة متقدم بنتيجة 3-2 في إياب نصف دوري الأبطال، النيراتزوري على حافة الهاوية.

وفجأة، تحرّك المدافع العجوز من الخلف.

ركض، لا كمدافع، بل كقلبٍ عرف الموت واقترب منه.

ترك مكانه، ورمى سنوات عمره خلفه، وتسلل إلى منطقة الخصم وكأنما يحمل معه وعداً قديماً… وعد النجاة.

وسجّل.

ركض، كما لم يركض من قبل. لا كمدافع، بل كمن يعرف أن لحظة النجاة لا تأتي مرتين. عبر منطقة الجزاء، ركل الكرة في سقف المرمى بلمسة ساحرة من قدم مهاجم خبير لا كمدافع ، وسجّل. هدفٌ حمل فيه كل ما مرّ به: غرفة العمليات، محاليل العلاج الباردة، دموع والدته، صدمة وفاة والده، نظرات أطفال المستشفى، جلسات الاستشفاء، سنوات الانتظار، وصمت السنوات الأوروبية.

ركض بعدها لا يعرف إلى أين. المطر يُغرق تجاعيد عينيه الجافة، ودموعه تُبلل قلبه قبل قميصه. لم تكن فرحة لاعب، بل انفجار إنسان. لم يكن هدفًا… بل حياةٌ جديدةٌ تُولد.

ذلك الهدف لم يُعدّل النتيجة إلى 3-3 فحسب، بل أعاد الروح لميلانو كلها. هدفٌ حفر في ذاكرة الإيطاليين، وحتى في ذاكرة مشجعي برشلونة. ولأول مرة في مسيرته الأوروبية، بعد أكثر من 20 موسمًا، يُسجّل أتشيربي هدفًا. وكان ذلك الهدف في أكبر الساحات الكروية.. دوري الأبطال.

ثم، وكأن معجزة واحدة لا تكفي، أكمل صاحب الـ37 عامًا الأشواط الإضافية، لعب 120 دقيقة كاملة أمام لاعبين في بداية العشرينات. ركض وكأن الزمن لا يعرفه، وكأن الشيب في شعره هو وسام حرب لا يُهزَم.

وأثبت في تلك الليلة أن العمر مجرد رقم، وأن القلوب التي تؤمن لا تُقهر. وجسّد المقولة الإيطالية الشهيرة والمنتشرة في شوارع وأزقة مدن وقرى إيطاليا :

“أنتِ جميلة كهدف في الدقيقة ٩٠”



Source link

Related Articles

Latest Articles